تستهويني قصص العلماء وسيرهم، وكثيراً ما أُفتّش في بعض الكتب عن العلماء
غير المعروفين وأحاول الكتابة عنهم، وفي أثناء اطّلاعي على كتاب أمل الآمل في
تراجم علماء جبل عامل للشيخ المُحدّث الحُر العاملي (رضوان الله عليه) –
والكتاب موجودٌ على الإنترنت - قرأتُ سيرةً لعالم مُتكلّم اسمه الشيخ خضر بن محمد
الرازي الحبلرودي، وقد وصفه الشيخ الحر العاملي بأنه: "كان عالماً فاضلاً
ماهراً مُحّققاً مُدّققاً إمامياً صحيح الاعتقاد". (أمل الآمل ج2
ص110)
وترجمة الشيخ الحبلرودي في كتاب الأمل صغيرة وليست مُفصّلة، فحاولت أن أجد
بعض المعلومات في كتب أخرى، واعتمادي كله على الكتب المتوّفرة على الإنترنت، فوجدت
ولله الحمد ترجمة أوسع في كتاب أعيان الشيعة، ومما يُستفاد من الترجمة
المذكورة في الأعيان هو توضيح نسبة (الحبلرودي) فيقول مؤلّف الأعيان: "الحبلرودي
نسبة إلى حبلرود بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح اللام وضم الراء
وسكون الواو بعدها دال مهملة"، ويستمر بقوله: "قرية كبيرة معروفة من
اعمال الري بين بلاد مازندران والري". (أعيان الشيعة
ج6 ص323)
وأهم ما أود الإشارة إليه بخصوص هذا العالم هو تصدّيه للرد على النواصب،
فقد ذكره المُحقّق المُعاصر آية الله السيّد علي الحسيني الميلاني (دام ظله) في مُقدّمة
كتابه نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار، فيقول: "وقد شكّلت كتب
الردود قسماً كبيراً من مؤلفات الإمامية في مسائل الإمامة، كما لا يخفى على من لاحظ
فهارس المؤلفات، والسبب في ذلك هو أن أهل السنة لا بضاعة لهم الا الكذب والإنكار".
(نفحات
الأزهار ج1 ص21)
ثم يذكر السيد الميلاني نماذج من الكتب الناصبية التي أُلّفت ضد التشيُّع، والكتب
الشيعية التي أُلّفت رداً عليها فيذكر: "وألف يوسف الأعور الشافعي الواسطي
كتاب الرسالة المعارضة في الرد على الرافضة. فردّ عليه الشيخ عز الدين
الحسن بن شمس الدين المهلبي الحلي بكتاب الأنوار البدرية في كشف شبه القدرية،
قال فيه: «التزمت فيه على أن لا أستدل من المنقول عن الرسول، إلا بما ثبت من طريق
الخصم ولا أفعل كما فعل الناصب في كتابه». والشيخ نجم الدين خضر بن محمد الحبلرودي
الرازي بكتاب التوضيح الأنور في دفع شبه الأعور". (نفحات
الأزهار ج1 ص22-23)
فيتبيّن مما ذكره السيّد الميلاني أن أحد علماء النواصب وهو يوسف الأعور
الشافعي الواسطي كتاباً يُهاجم فيه الرافضة (أعزّهم الله) - الذين هُم تاج رأسه
وتاج رؤوس الأُمّة الإسلامية جمعاء -، وما أشبه نواصب ذلك العصر بنواصب عصرنا؛
فنحن نتفرّج كل يوم على شيوخ النواصب وحاخاماتهم حين يريدون أن يُناقشوا الشيعة
يُهرّجون وإن أرادوا أن يستدلّوا؛ استدلّوا بكتبهم. فبالله
عليك هل نحن حين نُريد أن نُثبت أحقّية التشيُّع نستدل بكتبنا؟! وهذا الناصبي
الأعور كما يبدو – وأنا لم أطّلع على كتابه – يستدل بكتبه على الشيعة، ونستشفُّ
ذلك مما نقله السيّد الميلاني عن صاحب كتاب الأنوار البدرية الذي قال عن كتابه:
"التزمت فيه على أن لا أستدل من المنقول عن الرسول، إلا بما ثبت من طريق
الخصم ولا أفعل كما فعل الناصب في كتابه".
وكان الشيخ الحبلرودي ممن ردّ على هذا الأعور في كتابه التوضيح الأنور
بالحجج الواردة لدفع شبه الأعور، وقد ذكر هذا الكتاب الشيخ آغا بزرگ الطهراني (رضوان الله عليه) في الذريعة بقوله: " وهو
جيد كثير الفوائد، وهو أحسن وأتم وأفيد من كتاب الأنوار البدرية". (الذريعة ج4
ص491)
وهذا الكتاب ليس مطبوعاً ولا يزال مدفوناً مع بقية التراث الشيعي المدفون
فأنا أُناشد طلبة الحوزة المُتمكنين أن يستخرجوا مخطوطة هذا الكتاب ويُحقّقوه
ويُقدّموه للطبع، فنحن لا نُريد أن يُدفن هذا التراث وإنما نُريد أن نُحييه، ولا
أشُكُّ بأن هذا الكتاب كغيره من الكتب الشيعية المدفونة فيه ما يُستفاد منه،
فأتمنى لو يُطبع هذا الكتاب جنباً إلى جنب مع كتاب الناصبي الأعور، فإنه يُرينا
تهافت شبهات النواصب، ولجم علمائنا لهم وردّهم لشبهات النواصب.
أبو لؤلؤة البحراني
15 ذو الحجّة 1433 هـ