الخميس، 6 سبتمبر 2012

التقليد - ج5


استمراراً للمقالات السابقة حول التقليد نستمر بالكلام حول انحرافات بعض المحسوبين عن الشيعة ونتكلم بالخصوص عن فلاسفة الشيعة وصوفية الشيعة؛ فقد ابتلي التشيّع بالفلاسفة والصوفية حيث جاءت هذه المناهج الدخيلة إلى التشيُّع لهدمه من الداخل، وقد ورد عن أئمتنا عليهم السلام نهيٌ شديد عن اتباع الفلسفة والتصوّف الذي يُسميه صوفية الشيعة بالعرفان وهو أبعد ما يكون عن العرفان الحقيقي.

جاءت أحاديث شريفة عديدة عن أئمتنا (عليهم السلام) تحذّر من الصوفية؛ بل والأدهى والأمرّ أن يُذكر عنهم (عليهم السلام) أن بعض الشيعة يميلون إلى الفلسفة والتصوف ويسلكون مسلكهم. حين نرى أن بعض الشيعة – وبعض المراجع - كذلك؛ وجب علينا تحذير الناس منهم ومن أخذ الدين منهم وتقليدهم في أحكام الدين. ونذكر منها بعض الأحاديث:

1-  قال الإمام الرضا (عليه السلام): ”من ذكر عنده الصوفية ولم ينكرهم بلسانه وقلبه؛ فليس منا. ومن أنكرهم؛ كان كمن جاهد الكفار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله“. (مستدرك الوسائل ج12 ص323) 
2-  قال الإمام الصادق (عليه السلام): ” فتبًا وتُعْسًا وخيبةً لمنتحلي الفلسفة“. (مستدرك سفينة البحار ج8 ص299)
3-  روي عن الحسين بن أبي الخطاب، قال: كنت مع أبي الحسن الهادي (عليه السلام) في مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري، وكان بليغاً وله منزلة مرموقة عند الإمام (عليه السلام) وبينما نحن وقوف إذ دخل جماعة من الصوفية المسجد فجلسوا في جانب منه، وأخذوا بالتهليل، فالتفت الإمام إلى أصحابه فقال لهم: لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخدّاعين فإنّهم حلفاء الشياطين، ومخرّبو قواعد الدين، يتزهّدون لإراحة الأجسام، ويتهجّدون لصيد الأنعام، يتجرّعون عمراً حتى يديخوا للايكاف حمراً، لا يهللون إلاّ لغرور الناس، ولا يقلّلون الغذاء إلاّ لملء العساس واختلاس قلب الدفناس، يكلّمون الناس بإملائهم في الحبّ، ويطرحونهم بإذلالهم في الجب، أورادهم الرقص والتصدية، وأذكارهم الترنّم والتغنية، فلا يتبعهم إلاّ السفهاء، ولا يعتقد بهم إلاّ الحمقاء، فمن ذهب إلى زيارة أحدهم حياً أو ميتاً، فكأنّما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبادة الأوثان، ومن أعان واحداً منهم فكـأنّما أعان معاوية ويزيد وأبا سفيان . فقال أحد أصحابه: وإن كان معترفاً بحقوقكم؟ فزجره (عليه السلام) وصاح به: دع ذا عنك! من اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقوقنا، أما تدري أنّهم أخسّ طوائف الصوفية؟! والصوفية كلهم مخالفونا، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا، وإن هم إلاّ نصارى أو مجوس هذه الأمة، أُولئك الذين يجتهدون في إطفاء نور الله بأفواههم، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون“. (حديقة الشيعة ص602)
4-  قال الإمام العسكري (عليه السلام): ”سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة وقلوبهم مظلمة منكدرة، السنة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سنة، المؤمن بينهم محقر، والفاسق بينهم موقر، أمراؤهم جائرون، وعلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء، وأصاغرهم يتقدمون الكبراء، كل جاهل عندهم خبير، وكل محيل عندهم فقير، لا يميزون بين المخلص والمرتاب، ولا يعرفون الظأن من الذئاب، علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض، لأنهم يميلون إلى الفلسفة والتصوف، وأيم والله: أنهم من أهل العدوان والتحرف، يبالغون في حب مخالفينا، ويضلون شيعتنا وموالينا، فإن نالوا منصبا لم يشبعوا، وإن خذلوا عبدوا الله على الرياء، ألا إنهم قطاع طريق المؤمنين والدعاة إلى نحلة الملحدين، فمن أدركهم فليحذرهم وليضمن دينه وإيمانه منهم“. (سفينة البحار للقمي ج2 ص58)
وقد سار علمائنا الأبرار في درب محاربة التصوّف والذي يُسمّى أحيانًا عند صوفية الشيعة بالعرفان، وقد قال آية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي (رحمه الله): ”عندي أن مصيبة الصوفية على الإسلام من أعظم المصائب, تهدمت بها أركانه وانثلم بنيانه وظهر لي بعد الفحص الأكيد والتجول في مضامير كلماتهم والوقوف على ما في خبايا مطالبهم والعثور على مخبياتهم بعد الاجتماع برؤساء فرقهم أن الداء سرى إلى الدين من رهبة النصارى فتلقاه جمع من العامة كالحسن البصري والشبلي ومعروف وطاووس والزهري وجنيد ونحوهم ثم سرى منهم إلى الشيعة حتى رقى شأنهم وعلت راياتهم بحيث ما أبقوا حجراً على حجر من أساس الدين, أولوا نصوص الكتاب والسنة وخالفوا الأحكام الفطرية العقلية والتزموا بوحدة الوجود؛ بل الموجود“. (شرح إحقاق الحق ج1 ص183)

وحدة الموجود نظرية كفرية تقول بأن كل ما في هذا الكون من الموجودات من أصغر ذرّة إلى أكبر مجرّة هي عين ذات الله عزّ وجل، وإليك نموذج من تصريحات إثنين من كبار العرفاء (الصوفية الشيعة) الذين يغترّ عوام الناس بهم:

1- روح الله الخميني: صرّح في كتابه تفسير سورة حمد (باللغة الفارسية) بالقول بوحدة الموجود مشبهاً ذلك بالبحر مع أمواج البحر حيث أن البحر والأمواج ليسوا شيئين مختلفين؛ وإنما الأمواج صورة للبحر، فكذلك المخلوقات – والعياذ بالله – صورةٌ لله عزّ وجل. وفي المقطع الذي ننقله يتحدث الخميني عن وحدة الموجود فيقول: ”وهذا من الأسرار التي لا يمكن إفشاء حقيقتها و التصريح بها فالعالم خيال في خيال و وهم في وهم ليس في الدار غيره ديار“. (تعليقات على شرح فصوص الحكم ومصباح الأنس ص98) وفي موضع آخر يقول: ”يكون صور الخلائق ظهور الحق لا ظهورها و باطنها بطونه لا بطونها فالعالم غيب ما ظهر و الحق ظاهر ما غاب و الغيب بمعنى عدم الوجود مطلقا لا وجود غيبي باطني“. (المصدر نفسه 167)
2- محمد حسين الطباطبائي: نتيجة اعتماده على الفلسفة فقد خالف العديد من الأحاديث الشريفة والحقائق الدينية، وقد خصَّص الباحث الإسلامي الأستاذ السيّد جهاد الموسوي (حفظه الله) محاضرة بعنوان التحذير من تفسير الميزان يحذر فيها من الانحرافات التي حواها كتاب الميزان في تفسير القرآن ومؤلفه محمد حسين الطباطبائي؛ ومما ذكره السيد جهاد هو قول الطباطبائي بأن بدء النسل كان بزواج أبناء آدم وبناته من بعضهم البعض والعياذ بالله متناسيًا الأحاديث الشريفة التي نفت ذلك؛ حيث قال بالنصّ في كتابه تفسير الميزان: ”إنّ الإزدواج في الطبقة الأولى بعد آدم وزوجته أعني في أولادهما بلا واسطة إنما وقع بين الاخوة والأخوات ازدواج البنين بالبنات إذ الذكور والإناث كانا منحصرين فيهم يومئذ ولا ضير فيه فإنه حكم تشريعي راجع إلى الله سبحانه فله أن يبيحه يوما ويحرمه آخر“. (تفسير الميزان ج4 ص137)
جديرٌ بالذكر أن السيد جهاد قد أشار لوجود باب كامل في كتاب بحار الأنوار يحتوي أحاديثًا شريفة تنقض ما زعمه الطباطبائي؛ وقد أبدى السيّد في الوقت ذاته تعجبه من أن الطباطبائي نفسه كتب تعليقًة على البحار فكيف لم تمرّ هذه الأحاديث عليه؟!
وهذا الموضوع فيه تفصيلات لا يسعنا في هذه المقالة الصغيرة أن نُبيّنها وإنّما ننصح الأخوة الكرام بمراجعة سلسلة محاضرات الفلسفة والعرفان للسيد مجتبى الشيرازي وكذا بعض محاضرات الشيخ ياسر الحبيب والسيد أحمد الشيرازي وكتابات ومحاضرات الكاتبين الإسلاميين الأستاذ أحمد مصطفى يعقوب والأستاذ السيّد جهاد الموسوي.

وحيث أنّ هذه المقالة هي الأخيرة في موضوع التقليد – وقد أجمعها كلها في كتاب - فأقول كلمة أخيرة: بعد أن يفهم المُكّلف مفهوم المرجعية ويحدد المرجع الذي سيقلّده يبدأ بقراءة رسالته العملية، و(الرسالة العملية) يُقصد منه الكتاب الذي يكتب فيه المرجع فتاواه بحيث يأخذ منها المُكلّف أحكامه؛ فعلى المُكلّف أن يبدأ بقراءة الرسالة العملية وحفظ مسائلها جيداً حيث أنها أحكام دينه ومعظم – إن لم يكن كل – الرسائل العملية للمراجع متوافرة على الإنترنت ويسهل الحصول عليها.

أسأل الله أن يبصّرنا في دينه ويوفقنا لنيل مرضاته ومرضاة وليّه الأعظم وحجته على خلقه مولانا ومقتدانا ومنقذنا الإمام الحجة المهدي بن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين.

أخوكم أبو لؤلؤة البحراني
العشرون من شوّال 1433 هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق