الخميس، 30 أغسطس 2012

التقليد - ج4


ذكرنا في المقالة السابقة بعض الانحرافات التي تُسقط المرجع عن العدالة، أما في هذ المقالة سنناقش بعض ما يتعلق بالانحراف في الإمامة فإنّها أصلٌ من أصول الدين فيكون الانحراف فيها انحرافا خطيرا في أصول الدين؛ يجب علينا أنّ نتصدى لها بكل قوة، ومن الانحرافات في الإمامة:

1- الترحم على الطغاة الثلاثة والثناء عليهم: ونعني بالطغاة الثلاثة؛ أبا بكر وعُمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان (لعنة الله عليهم)، فإنّهم من أوائل من غصبوا حقّ أهل البيت (عليهم السلام) وأزاحوا الوصيّ الشرعي وأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن مقامه ثُمّ هجموا على بنت النبي (صلى الله عليه وآله) وقتلوا جنينها وضربوها وكسروا أضلاعها وأنبتوا المسمار في صدرها. وقد ابتلي التشيُّع في عصرنا بأدعياء التشيع ممن يترحم على هؤلاء الثلاثة (لعنة الله عليهم وعلى من ترحّم عليهم) ويثني عليهم، وهُمْ كثيرون ومنهم: محمد باقر الصدر الذي أثنى على أبي بكر وعمر في نداءه الثالث المشؤوم، ومحمد حسين فضل الله الذي يترحّم على هؤلاء الثلاثة في موارد عديدة ومنها ما شاهدناه في قناة الجزيرة حين أتبع اسم أبي بكر (لعنه الله) بعبارة: “رضوان الله عليه”. وقد يُقال بأن ذلك كان "تقية" منهم؛ فيُجاب على ذلك: بأن الصدر كان ثائرا ضد النظام العراقي وكان ندائه موجها للشعب العراقي ومحرضا على النظام؛ فكيف يكون عاملا بالتقية وهو يقود ثورة؟! وأمّا فضل الله فإنّه لم يكن ما يوجب عليه أن يترّضى على أبي بكر وإنّما كان عزيمة منه وكان يكفيه أن يأتي بإسم أبي بكر دون أن يترضى عليه ودون أن يلعنه ولكنه تعمد أن يترضى عليه. فضلا عن كل هذا فإن التقية تكون فقط في حال الخوف من الضرر الشديد كالقتل فقط؛ فهل كان فضل الله معرضا للقتل إن لم يترضى على أبي بكر؟! بل حتى التقية تُحرّم إذا كان العمل بها يؤدي إلى مفسدة في الدين وقد نتعرّض لموضوع التقية هذا في مقالة منفصلة.

2- الترّضي على الشيطانتين والثناء عليهما: يقول الله عزّ وجل في كتابه الكريم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}؛ من هنا اعتاد المسلمون على تسمية أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) بأمهات المؤمنين، ولكنّ الإشكال هنا في إطلاق لفظ أم المؤمنين على الشيطانتين عائشة وحفصة (لعنة الله عليهما)، فإنّ من المعلوم أنّ كُفر هاتين المرأتين بعد النبي (صلى الله عليه وآله) يُجرّدهما من الإيمان؛ فضلا عن وجود أدلّة – في عائشة خصوصا – تثبت سقوط بعض أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) عن هذا الشرف العظيم؛ وأهمها قول رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله) مخاطبا وصيه أمير المؤمنين (عليه السلام): “يا أبا الحسن إن هذا شرف باق ما دمن على طاعة الله فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فطلقها من الأزواج وأسقطها من شرف أمية المؤمنين”. (مكيال المكارم ج1 ص27 والاحتجاج ج2 ص172 وبحار الأنوار ج32 ص268)

ولكننا نقول أن إعذار من وصف عائشة – مثلا – بأم المؤمنين ممكن؛ ولكن لا يمكن لنا أبدا أن نُعْذر من يصف عائشة أو حفصة بالسيّدة، أو أن يثني عليهما مع أنهما المباشرتان لقتل خير الخلق رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله) وذلك بأمر من أبويهما (عليهما وعلى ابنتيهما أشد اللعنة والعذاب)، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه يقول: “من تأثّم أن يلعن من لعنه الله فقد لعنه الله”. (اختيار معرفة الرجال ج2 ص811)

فإذا كان الله يلعن من يتأثّم أن يلعن من لعنه الله؛ فكيف بمن يترضى أو يثني على من لعنهما الله؟! وقد يُسأل ما الدليل على قتل عائشة وحفصة (لعنة الله عليهما) لرسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ فإن هناك أدلّة مُفصّلة أنصح الباحثين في هذا بالاستماع لسلسلة محاضرات الليالي المحمدية 1432 للشيخ ياسر الحبيب فقد ذكر فيها الأدلّة مناقشًا إياها بالتفصيل. فإذا عُلم كُلُّ ذلك؛ عُلِم انحراف عقيدة من يثني على عائشة وحفصة ممن تصدّى للمرجعية.
الثاني عشر من شوال 1433 هـ

الأربعاء، 29 أغسطس 2012

من انحرافات الطباطبائي في تفسيره الموسوم بالميزان

خصَّص الباحث الإسلامي الأستاذ السيّد جهاد الموسوي (حفظه الله) محاضرة بعنوان التحذير من تفسير الميزان يحذر فيها من الانحرافات التي حواها كتاب الميزان في تفسير القرآن ومؤلفه محمد حسين الطباطبائي؛ الذي ترجم له العلّامة النمازي الشاهرودي (رضوان الله عليه) بقوله: ”الفيلسوف المعاصر الطباطبائي المروج للفلسفة صاحب كتاب تفسير الميزان الذي أخطأ فيه كثيرًا؛ مثل ترجيحه قول المجوس في تزويج الأخوة مع الأخوات من أولاد آدم فراجع إليه أول سورة النساء“. (مستدرك سفينةالبحار ج8 ص315)

ومما ذكره السيد جهاد هو قول الطباطبائي بأن بدء النسل كان بزواج أبناء آدم وبناته من بعضهم البعض والعياذ بالله متناسيًا الأحاديث الشريفة التي نفت ذلك؛ حيث قال بالنصّ في كتابه تفسير الميزان: ”إنّ الإزدواج في الطبقة الأولى بعد آدم وزوجته أعني في أولادهما بلا واسطة إنما وقع بين الاخوة والأخوات ازدواج البنين بالبنات إذ الذكور والإناث كانا منحصرين فيهم يومئذ ولا ضير فيه فإنه حكم تشريعي راجع إلى الله سبحانه فله أن يبيحه يوما ويحرمه آخر“. (تفسير الميزان ج4 ص137)

جديرٌ بالذكر أن السيد جهاد قد أشار لوجود باب كامل في كتاب بحار الأنوار يحتوي أحاديثًا شريفة تنقض ما زعمه الطباطبائي؛[1] وقد أبدى السيّد في الوقت ذاته تعجبه من أن الطباطبائي نفسه كتب تعليقًة على البحار فكيف لم تمرّ هذه الأحاديث عليه؟!

مقطع من المحاضرة:



[1] هذا الباب في المجلّد الحادي عشر من بحار الأنوار ويحمل عنوان تزويج آدم حواء وكيفية بدء النسل منهما وقصة قابيل وهابيل وسائر أولادهما، ويمكن مراجعته عبر الضغط هنا.

التقليد - ج3


شرحنا في المقالتين السابقة بعض المقدمات في شرح مفهوم التقليد ثم خضنا في في شرح موضوعي تقليد الميت والتبعيض في التقليد، وسنتحدث إن شاء الله في هذه المقالة إلى موضوع استقامة العقيدة في المرجع وفي أي الأمور يمكن أن ينحرف المرجع. وأقول أن أكثر الانحراف في العقيدة عند بعض المتصدين للمرجعية يكون انحرافًا في جانبٍ من جانبين أو من كليهما؛ وهما التوحيد، والإمامة، وهناك بعض الانحرافات في تجويز المُحرّمات أو الانحراف في الاستنباط مثلًا.

بدايةً لا ينبغي أن يكون كل المراجع عدولٌ وأتقياء ومستقيمي العقيدة؛ فنحن الشيعة نعيب على مخالفينا اعتقادهم بأن جميع أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) مع أنّهم حاربوا بعضهم بعضا وقاتل بعضهم بعضا وكَفّر بعضهم بعضا، وهم يروون أن النبي (صلى الله عليه وآله) حكم بأن في أصحابه منافقين كما رواه البخاري أنه (صلى الله عليه وآله) قال: “يرد على يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي! فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى”. (صحيح البخاري ج7 ص206)
فكيف يحقُّ لنا أن نعيب المخالفين ونحن نستنسخ نظريتهم عدالة الصحابة ونُنَظِّر نظرية عدالة المراجع؛ هذا فضلًا عن الأدلة الأخرى التي تثبت عدم استقامة عقيدة كل فقهاء الشيعة ومن أهمها ما ورد عن إمامنا العسكري (عليه السلام) في حديث طويل قوله: “فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه؛ فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فإنه من ركب من القبايح والفواحش مراكب فسقة العامة فلا تقبلوا منا عنه شيئًا ولا كرامة”. (الاحتجاج ج2 ص263-264)

ومما نراه انحرافًا فقهيًا هو استعمال القياس المُحرّم في استنباط الأحكام الشرعية، ومعلومٌ أن الأدلة الشرعية التي يستنبط الفقهاء العظام منها الأحكام هي القرآن الكريم والحديث الشريف والأدلة العقلية التي تساعدنا على فهمما وكذا الإجماع – على اختلافٍ بين الفقهاء في الإجماع والأدلة العقلية – وأما القياس فإنّه مُحرّم وهناك أحاديث كثيرة تنهى عن ذلك منها نهي الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي حنيفة (لعنه الله): اتق الله ولا تقس الدين برأيك؛ فإن أول من قاس إبليس أمره الله عزّ وجل بالسجود لآدم فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. (تفسير نور الثقلين ج2 ص7)
ولكننا نجد شخصًا يتصدّى للمرجعية ويخالف قول الأئمة (عليهم السلام) علنًا فيصرّح بإمكان استعمال القياس وأعني بكلامي المُنحرف الهالك محمد حسين فضل الله (لعنة الله عليه) الذي يقول في أحد كتبه بالنص: “إذا لم يكن لدينا طريق لمعرفة الحكم فمن الممكن اللجوء إلى القياس”. (تأملات في آفاق الإمام الكاظم ص40)
فنحن لا نجد فضل الله إلّا مخالفًا للأئمة الأطهار (عليهم السلام) فيُعدّ هذا منه انحرافا كبيرا وهو بعد من مراكب العامّة وقد حذّرنا الإمام العسكري (عليه السلام) – كما في الحديث الشريف الذي ذكرناه مسبقًا - من قبول ديننا من أمثال هؤلاء الذين يسيرون في مراكب العامة.

وإضافة لذلك ما نراه من هؤلاء في تحليل حرام الله كالغناء الذي حلّله فضل الله على سبيل المثال تَجَرُّأً منه على أهل البيت (عليهم السلام) الذي ورد منهم النصّ: شرُّ الأصوات الغناء. (المقنع ص456) وكذا قول الإمام الباقر (عليهم السلام): الغناء مما وعد الله عز وجل عليه النار. (الكافي الشريف ج6 ص431)
وما أكثر هؤلاء الفقهاء الذين يشيعون المُحرّمات بفتاواهم المشؤومة فعلينا أن نتّقي الله ونبحث عن المراجع الصالحين المؤمنين كي نقلدهم وليس من نراه مخالفا لأوامر أهل البيت (عليهم السلام). وسنستمر – إن شاء الله – في التحدث عن الاستقامة والانحراف عند المرجع في المقالات القادمة كذلك والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم ومخالفيهم من الآن إلى يوم الدين.
أبو لؤلؤة البحراني
الحادي عشر من شوال 1433

الأربعاء، 22 أغسطس 2012

التقليد - ج2


تطرّقنا في المقالة السابقة لشرح بعض المقدمات في شرح مفهوم التقليد؛ ونستمر في هذه المقالة في شرح ما لم نتمكن من شرحه في المقالة السابقة وتحديدًا موضوعي تقليد الميت والتبعيض في التقليد.

أما التبعيض في التقليد؛ فإننا نعلم أن المراجع حين يفتون بحكم شرعي فإنّهم يبذلون جهدهم في استنباط الحكم الشرعي من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة حتى يفتون في أمر ما، ولكن أحيانًا لا يتمكن المرجع من الإفتاء بسبب عدم وضوح الأدلة عنده فيقول بالاحتياط الوجوبي؛ فنجد أنه يقول: “في المسألة الفلانية لا يجوز ذلك على الأحوط وجوبًا” أو “في المسألة الفلانية يجب فعل ذلك على الأحوط وجوبًا”. على المُقلّد في هذه الحالة أن يعمل بالاحتياط الوجوبي حسب رأي مرجعه أو أن يُقلّد مرجعًا آخر في الاحتياطات فقط مع مراعاة أن يختار المرجع الذي يكون الأعلم بعد المرجع الذي يقلده.

وبالنسبة لتقليد الميت فإن الآراء انقسمت إلى ثلاثة:

1- جواز تقليد الميت ابتداءًا: أصحاب هذا الرأي من المراجع يقولون بجواز تقليد الميت حتى وإن كان ميتًا منذ فترة بعيدة، والغالبية العظمى من المراجع المعاصرين مُخالفون لهذا الرأي، ولا أعلم أن أحدًا من المراجع المعاصرين يتبنى هذا الرأي، وإنّما يتبناه القدماء من الفقهاء (رحمة الله عليهم).

2- جواز تقليد الميت استدامةً: أصحاب هذا الرأي من المراجع يقولون بجواز تقليد الميت إذا بدأ الشخص بتقليده في حال حياته؛ أي أن الشخص لو قَلَّد أحد المراجع وكان هذا المرجع حيًا ثُمّ توفي؛ فإن مقلديه يمكن أن يبقوا على تقليده، ومعظم المراجع المعاصرين يتبنون هذا الرأي.

3- حرمة تقليد الميت مطلقًا: أصحاب هذا الرأي يقولون بعدم جواز تقليد الميت لا ابتداءًا ولا استدامةً؛ فيجب على الشخص أن يُقلّد مرجعًا آخرا إذا توفي مرجعه، وهناك بعض المراجع المعاصرين ممن يتبنى هذا الرأي؛ ومنهم على ما نعلم المرجعان البشير النجفي والصادق الروحاني (حفظهما الله) .

وكما ذكرت في المقالة السابقة أن هذا الاختلاف لا ينبغي أبدًا بأي حال من الأحوال أن يكون مثارًا للخلاف والاحتراب بين المؤمنين؛ وإنّما اللازم عليهم التوحد معًا وأن يرجعوا في تقليدهم إلى المراجع مستقيمي العقيدة – وسنتطرّق إلى موضوع استقامة العقيدة في المقالة القادمة – ويتركوا منحرفي العقيدة، وأما الاختلافات في جواز تقليد الميت من عدمه فإنّما هي اختلافات اجتهادية؛ بذل فيها الفقهاء والمراجع العدول جهدهم لاستخراج الحكم الشرعي فكل واحد منهم أفتى بما وصل إليه اجتهاده.

أبو لؤلؤة البحراني
الرابع من شوال 1433

الثلاثاء، 21 أغسطس 2012

الثاني من شوّال - ذكرى استشهاد الإمام الشيرازي أعلى الله درجاته

الثاني من شوال هو يوم استشهاد الإمام الشيرازي (أعلى الله درجاته)؛ آية الله العظمى السيد محمد الحسيني المشهور بلقب المجدد الشيرازي الثاني. ولا نمتلك إلا أن نترحّم على هذا السيّد العظيم ونهدي لروحه ثواب سورة الفاتحة ولعنة الله على من ظلمه وحاربه وقتله وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.

التقليد - ج1


هذه المقالة المتواضعة أكتبها شرحًا للتقليد ومعناه مستعرضًا أهم الاختلافات حتى يتضّح مفهوم التقليد والمرجعية عند الأخوة القُرّاء وأخُصُّ منهم المتشيعين الذين منّ الله عليهم بالهداية وموالاة محمد وآله الأطهار والبراءة من أعدائهم الأشرار.

أجمعت كلمة فقهاء الشيعة على وجوب البحث والتنقيب في أصول الدين فحين يبلغ الفرد الشيعي لا نُوجب عليه أن يكون شيعيًا كآبائه وأجداده؛ وإنّما نُوجب عليه أن يبحث ويأخذ عقيدته بالدليل والبرهان، وإنّ ذلك مما يُميّز التشيع عن باقي الطوائف الأخرى، والتي يُحَرِّمُ بعضها مناقشة الشيعة وقراءة كتبهم ومشاهدة قنواتهم.
أما في أحكام الدين ونعني منها أحكام الحلال والحرام فإن الشيعي يتوجب عليه أن يأخذ أحكامه بما يُبرأ ذِمّته أمام الله عزّ وجل، ولا يتأتّى له ذلك إلا بثلاث طُرُق:

1-   الاجتهاد: ويعني أن يكون مجتهدًا أن يكون فقيهًا قادرًا على استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، ويمكن ذلك بعد أن يدرس الشخص في الحوزة العلمية لسنوات عديدة إلى أن يصل لدرجة الاجتهاد فيستخرج الأحكام الشرعية بنفسه.
2-   التقليد: ويعني أن يكون مقلدًا لأحد المجتهدين (أي المراجع) أن يأخذ الأحكام الشرعية من المجتهد (أي المرجع) الذي يقلده؛ وعلى المُقَلّد أن يختار مرجعًا واحدًا بشروط معينة سنوضحها لاحقًا.
3-  الاحتياط: ويعني أن يكون محتاطًا أن يعمل بالاحتياط في جميع أحكامه؛ فيجب عليه أن يعلم آراء جميع مراجع الشيعة (من الأولين والآخرين) في الأحكام الشرعية فإذا رأى مثلًا أن بعض الفقهاء أفتوا بأن عملًا ما واجب وأفتى آخرون بأنّ نفس العمل مستحب؛ فيكون واجبًا عليه أن يعمل بهذا العمل، وإذا رأى أن بعض المراجع يفتون بأن عملًا ما حرام وأفتى آخرون بأنه مكروه؛ فيكون حرامًا عليه أن يعمل بهذا العمل. فالخلاصة أن العمل بالاحتياط صعبٌ جدًا لأن المحتاط يجب أن يتعلم ويحفظ آراء مراجع الشيعة جميعًا.

فالطريق الأيسر للشيعي في أخذ أحكام دينه هو أن يُقلّد، ويجب عليه أن يقلد من تتوافر فيه هذه الشروط:
1-  البلوغ: أن يكون المرجع وصل إلى سن البلوغ.
2-  العقل: أن يكون المرجع عاقلًا.
3-  الإيمان: أي أن تكون عقيدة المرجع عقيدة سليمة.
4-  الذكورة: أي أن يكون المرجع ذكرًا فلا يمكن أن تكون الأنثى مرجعًا.
5-  الاجتهاد: أي أن يكون المرجع قد وصل إلى مرحلة الاجتهاد أي أنه وصل إلى المرحلة التي يستطيع فيها استنباط الأحكام الشرعية، وتحديد كيف يكون الشخص مجتهدًا نوضحه فيما بعد.
6-  العدالة: أي أن يكون المرجع متورعًا في الأحكام الشرعية فلا يرتكب حرامًا ولا يترك واجبًا.
7-  طهارة المولد: أي أن لا يكون متولدًا من الزنا والعياذ بالله.
8-  الأعلمية: أي أن يكون أعلم من جميع المراجع الآخرين، وتحديد الأعلمية نوضحها لاحقًا.

وأما الاجتهاد فيثبت للشخص بدراسته ونيله شهادات الاجتهاد من أساتذته؛ فالمجتهد يدرس عند عدة مجتهدين آخرين ثُمّ يعطونه شهادة اجتهاد فيكون حينها مجتهدًا ويجوز له أن يستنبط الأحكام الشرعية، ويجوز أن يقلده الناس إذا أعلن مرجعيته.

أما الأعلمية فإن العلماء بعضهم يرون مرجعًا الأعلم وبعضهم يرون مرجعًا آخر الأعلم؛ فالشيعي يصعب عليه أن يحدد الأعلمية ولكن عليه أن يراجع العلماء الذين يثق بهم فيأخذ بشهاداتهم في تحديد الأعلم.

وقد يختلف شيعيٌ عن شيعي آخر في المرجع الذي يقلده بسبب اختلاف الآراء في تحديد الأعلمية؛ ولكنّ ذلك لا يوجب أي تفرقة بين الاثنين، وإنّما كُلّ منهما يعمل بما يبرئ ذمّته أمام الله.

وبقي أن نشير إلى ثلاثة مواضيع مهمة؛ الأول موضوع تقليد الميت، والثاني هو التبعيض في التقليد، والثالث استقامة العقيدة في المراجع وما الذي يجعل مرجعًا ما مُنحرفًا أو مستقيم العقيدة، وسُنفصّل القول فيهم في المقالات القادمة إن شاء الله وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم ومخالفيهم أجمعين.

أبو لؤلؤة البحراني
الثالث من شوال 1433 هـ

ولن تبلغوا..!


جاء في الحديث المروي عن مولانا وإمامنا العسكري (عليه السلام): "لا تتجاوزوا بنا العبودية وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا". إن هذا الحديث الشريف يكتفي به أهل الولاء في معرفة أهل البيت (عليهم السلام)؛ فإنه يُحدِّد مقياس الغلو فيهم. فنحن مهمنا ذكرنا في أهل البيت (عليهم السلام) فإنّنا لن نبلغ معرفة كنههم ومقامهم (عليهم السلام).

إذا عرفنا ذلك؛ نعرف حتمًا أن امتلاك أهل البيت (عليهم السلام) للولاية التكوينية أمرٌ لا ريب فيه، وعلمهم بعلم الغيب لا ينكره مسلم. فلا قيمة حينها لاستدلالات بعض المُنحرفّين والضالّين المُضلّين الذين ينفون عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) مقاماتهم العظيمة ومناقبهم الجليلة.

وإضافةً للحديث الشريف الذي صدرّتُ به كلامي؛ فإن هناك أحاديثًا شريفة تذكر حقيقة عدم إمكان وصولنا للمعرفة التامة لمقامهم (صلوات الله عليهم)، ومنها ما رواه الشيخ النمازي الشاهرودي (رحمه الله) في كتابه مستدرك سفينة البحار، وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): "يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت، ولا عرفني إلا الله وأنت، ولا عرفك إلا الله وأنا". (مستدرك سفينة البحار ج7 ص182 نقلًا عن بضع مصادر أخرى)

وأقول أن كل ما ثبت من المعاجز للأنبياء السابقين (عليهم السلام) فهو ثابتٌ لأهل البيت (عليهم السلام) ويؤيد ذلك بعض الأحاديث الشريفة وننصح الباحثين بالمراجعة إلى كتاب سماحة العلامة السيّد هاشم التوبلاني (رحمه الله) الموسوم باسم مدينة المعاجز ففيه العديد من المرويات الشريفة وننقل بعضًا منها:

1-  قال الحسن بن علي (عليهما السلام): كنت مع أبي بالعقيق، إذ لاح لنا ذئب فجعل يهرول حتى وقف بين يدي أبي، فجعل يلطع بلسانه قدميه ويتمسح به، فقال أبي: انطق بها أيها الذئب بإذن الله تعالى فأنطقه الله تعالى وهو يقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين. (مدينة المعاجز ج1 ص275)

2-  قال جابر بن عبد الله الأنصاري: لقيت عمارًا في بعض سكك المدينة فسألته عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فأخبر أنه في مسجده في ملأ من قومه وأنه لما صلى الغداة أقبل علينا فبينا نحن كذلك وقد بزغت الشمس إذ أقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام( فقام إليه النبي (صلى الله عليه وآله) وقبل بين عينيه، وأجلسه إلى جنبه حتى مست ركبتاه ركبتيه، ثم قال: يا علي قم للشمس فكلمها فإنها تكلمك. فقام أهل المسجد وقالوا: أترى عين الشمس تكلم عليا؟ وقال بعض: لا يزال يرفع حسيسة ابن عمه وينوه باسمه، إذ خرج علي (عليه السلام) فقال للشمس: كيف أصبحت يا خلق الله؟ فقالت: بخير يا أخا رسول الله، يا أول يا آخر، يا ظاهر يا باطن، يامن هو بكل شئ عليم. (مدينة المعاجز ج1 ص215)

3-  عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أن الحسن والحسين (((عليهما السلام) كانا يلعبان عند النبي (صلى الله عليه وآله) حتى مضى عامة الليل، ثم قال لهما: انصرفا إلى أمكما، فبرقت برقة، فما زالت تضئ لهما حتى دخلا على فاطمة (عليها السلام) والنبي (صلى الله عليه وآله) ينظر إلى البرقة، وقال: الحمد لله الذي أكرمنا أهل البيت. (مدينة المعاجز ج4 ص6)

ومثل هذه الأحاديث الشريفة كثيرةٌ جدًا وكلّها لا تعطينا إلا صورة بسيطة عن مقامهم (عليهم السلام) وإلّا فنحن وإن قلنا ما أردنا إلا أننا لن نبلغ بنص الإمام العسكري (عليه السلام) وإنّما نكتفي بما وصلنا من الروايات الشريفة في مقامهم (عليهم السلام) محاولين أن نتصور مقامهم - وكما قلنا سابقًا – ولن نبلغ أبدًا وأنّى للداني أن يحيط بالأعلى؟!

اللهم صلّ على محمد وآله الطيبين الطاهرين والعن أعدائهم وظلمتهم وغاصبي حقوقهم ومنكري فضائلهم ومقاماتهم الرفيعة ومراتبهم الجليلة  والحمد لله ربّ العالمين.

أبو لؤلؤة البحراني
الثاني من شوّال 1433 هـ

الأحد، 12 أغسطس 2012

السيد شُبّر الستري.. الثائر الذي حسده أهل زمانه

تطرّق سماحة العلامة الشيخ ياسر الحبيب حفظه الله في محاضرة بعنوان (علماء لكن ما أحد أجهل منهم) ألقاها بمجلسه الأسبوعي في الثامن عشر من شهر رجب 1433 هـ لذكر قصّة سماحة السيد شُبّر السِتْري رحمه الله الذي حاول أن يقود ثورة على حُكم آل خليفة في ذلك الزمان ولكن علماء زمانه قد خيّبوه حسدًا منهم له. ويذكر الشيخ علي البلادي رحمه الله في موسوعته أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين: “كان السيد شبر المذكور في آخر عمره أخذته الغيرة الإيمانية على ما جرى على أهل البحرين من الحكام المتغلبين عليها من الظلم والعدوان وغصبهم الأموال وتشتتهم في كل مكان وأداه نظره واجتهاده وإن لم يوافقه عليه أكثر علماء زمانه إلى جمع العساكر من أهل البحرين والقطيف الساكنين هناك لأخذ بلاد البحرين من أيدي أولئك المتغلبين الظالمين فاقتضى نظره الشريف أن يستند أولا إلى سلطان العجم وهو ناصر الدين شاه القاجاري ليكون له ظهرا ولكون البحرين ملكا للعجم وتغلب عليها أولئك فلما سمع بذلك المتغلبون عليها هنالك أرسلوا إلى حاكم شيراز بالهدايا الكثيرة والبراطيل الوفيرة لكسر سورة ذلك السيد وسافر ذلك السيد إلى شيراز فلم يجتمع به ذلك الحاكم ولم ينظر إلى ما جاء إليه ذلك العالم فبقي في شيراز مقدار أربعة أشهر متكدر الخاطر عادم المعين والناصر إلى أن توفي قدس سره بغصته قبل بلوغ أمنيته وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟ والدنيا عدوة الأحرار معاندة للأبرار تغمده الله برحمته وحشره مع آبائه وأئمته”. (أنوار البدرين ص242)

مقطع حديث الشيخ الحبيب عن السيّد الستري:

ترحيب


بسم الله الرحمن الرحيم


وأفضل الصلاة وأزكى السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ثُم اللعن الدائم على أعدائهم وقتلتهم ومنكري فضائلهم ومقاماتهم من الآن إلى قيام الدين.


تُشرّفني زيارتكم لمدونتنا المتواضعة وكملاحظة أُشير إلى أنّ (أبو لؤلؤة البحراني) ليس اسمًا أو كُنيةً لي وإنّما لقب أستعمله للكتابة فقط. وأما (أبو لؤلؤة) فهي كنية صاحب خليفة الرسول والثائرُ المُقْتصّ للبتول النهاوندي الكريم قاتل المجرم الزنيم عدو الله وعدو الولي الملعون بالنص الجلي المحروم من الحسنات والثواب الكافر عمر بن الخطاب عليه اللعنة والعذاب وقاتله المُبشّر بالجنان أبو لؤلؤة عليه الرضوان.


وأما (البحراني) فهي نسبة إلى بلدي البحرين، فأنا أبو لؤلؤة البحراني.


ليلة الرابع والعشرين من شهر رمضان 1433 هـ