شرحنا في
المقالتين السابقة بعض المقدمات في شرح مفهوم التقليد ثم خضنا في في شرح موضوعي
تقليد الميت والتبعيض في التقليد، وسنتحدث إن شاء الله في هذه المقالة إلى موضوع
استقامة العقيدة في المرجع وفي أي الأمور يمكن أن ينحرف المرجع. وأقول أن أكثر الانحراف في
العقيدة عند بعض المتصدين للمرجعية يكون انحرافًا في جانبٍ من جانبين أو من
كليهما؛ وهما التوحيد، والإمامة، وهناك بعض الانحرافات في تجويز المُحرّمات أو
الانحراف في الاستنباط مثلًا.
بدايةً لا ينبغي أن يكون كل المراجع عدولٌ وأتقياء ومستقيمي العقيدة؛ فنحن
الشيعة نعيب على مخالفينا اعتقادهم بأن جميع أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) مع
أنّهم حاربوا بعضهم بعضا وقاتل بعضهم بعضا وكَفّر بعضهم بعضا، وهم يروون أن النبي
(صلى الله عليه وآله) حكم بأن في أصحابه منافقين كما رواه البخاري أنه (صلى الله
عليه وآله) قال: “يرد على يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول: يا رب
أصحابي! فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى”.
(صحيح البخاري ج7 ص206)
فكيف يحقُّ
لنا أن نعيب المخالفين ونحن نستنسخ نظريتهم عدالة الصحابة ونُنَظِّر نظرية عدالة
المراجع؛ هذا فضلًا عن الأدلة الأخرى التي تثبت عدم استقامة عقيدة كل فقهاء
الشيعة ومن أهمها ما ورد عن إمامنا العسكري (عليه السلام) في حديث طويل قوله: “فأما
من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه؛
فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فإنه من ركب من
القبايح والفواحش مراكب فسقة العامة فلا تقبلوا منا عنه شيئًا ولا كرامة”. (الاحتجاج ج2 ص263-264)
ومما نراه انحرافًا فقهيًا هو استعمال القياس
المُحرّم في استنباط الأحكام الشرعية، ومعلومٌ أن الأدلة الشرعية التي يستنبط
الفقهاء العظام منها الأحكام هي القرآن الكريم والحديث الشريف والأدلة العقلية
التي تساعدنا على فهمما وكذا الإجماع – على اختلافٍ بين الفقهاء في الإجماع
والأدلة العقلية – وأما القياس فإنّه مُحرّم وهناك أحاديث كثيرة تنهى عن ذلك منها
نهي الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي حنيفة (لعنه الله): “اتق الله ولا تقس الدين برأيك؛ فإن أول من قاس إبليس أمره الله عزّ وجل بالسجود لآدم فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين”. (تفسير نور الثقلين ج2 ص7)
ولكننا نجد شخصًا يتصدّى للمرجعية ويخالف قول الأئمة
(عليهم السلام) علنًا فيصرّح بإمكان استعمال القياس وأعني بكلامي المُنحرف الهالك محمد
حسين فضل الله (لعنة الله عليه) الذي يقول في أحد كتبه بالنص: “إذا
لم يكن لدينا طريق لمعرفة الحكم فمن الممكن اللجوء إلى القياس”. (تأملات في
آفاق الإمام الكاظم ص40)
فنحن لا نجد فضل الله إلّا مخالفًا للأئمة الأطهار
(عليهم السلام) فيُعدّ هذا منه انحرافا كبيرا وهو بعد من مراكب العامّة وقد حذّرنا
الإمام العسكري (عليه السلام) – كما في الحديث الشريف الذي ذكرناه مسبقًا - من
قبول ديننا من أمثال هؤلاء الذين يسيرون في مراكب العامة.
وإضافة لذلك ما نراه من هؤلاء في تحليل حرام الله
كالغناء الذي حلّله فضل الله على سبيل المثال تَجَرُّأً منه على أهل البيت (عليهم
السلام) الذي ورد منهم النصّ: “شرُّ الأصوات الغناء”. (المقنع ص456) وكذا قول الإمام الباقر (عليهم السلام): “الغناء مما وعد الله عز وجل عليه النار”. (الكافي الشريف ج6 ص431)
وما أكثر هؤلاء الفقهاء الذين يشيعون المُحرّمات
بفتاواهم المشؤومة فعلينا أن نتّقي الله ونبحث عن المراجع الصالحين المؤمنين كي
نقلدهم وليس من نراه مخالفا لأوامر أهل البيت (عليهم السلام). وسنستمر – إن شاء الله – في التحدث عن الاستقامة والانحراف عند
المرجع في المقالات القادمة كذلك والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على
نبينا محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم ومخالفيهم من الآن إلى يوم الدين.
أبو لؤلؤة البحراني
الحادي عشر من شوال 1433
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق