هذه المقالة
المتواضعة أكتبها شرحًا للتقليد ومعناه مستعرضًا أهم الاختلافات حتى يتضّح مفهوم
التقليد والمرجعية عند الأخوة القُرّاء وأخُصُّ منهم المتشيعين الذين منّ الله
عليهم بالهداية وموالاة محمد وآله الأطهار والبراءة من أعدائهم الأشرار.
أجمعت كلمة
فقهاء الشيعة على وجوب البحث والتنقيب في أصول الدين فحين يبلغ الفرد الشيعي لا
نُوجب عليه أن يكون شيعيًا كآبائه وأجداده؛ وإنّما نُوجب عليه أن يبحث ويأخذ
عقيدته بالدليل والبرهان، وإنّ ذلك مما يُميّز التشيع عن باقي الطوائف الأخرى،
والتي يُحَرِّمُ بعضها مناقشة الشيعة وقراءة كتبهم ومشاهدة قنواتهم.
أما في أحكام
الدين ونعني منها أحكام الحلال والحرام فإن الشيعي يتوجب عليه أن يأخذ أحكامه بما
يُبرأ ذِمّته أمام الله عزّ وجل، ولا يتأتّى له ذلك إلا بثلاث طُرُق:
1-
الاجتهاد: ويعني أن يكون مجتهدًا أن يكون فقيهًا قادرًا على
استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، ويمكن ذلك بعد أن
يدرس الشخص في الحوزة العلمية لسنوات عديدة إلى أن يصل لدرجة الاجتهاد فيستخرج
الأحكام الشرعية بنفسه.
2- التقليد: ويعني أن يكون مقلدًا لأحد المجتهدين (أي المراجع) أن
يأخذ الأحكام الشرعية من المجتهد (أي المرجع) الذي يقلده؛ وعلى المُقَلّد أن يختار
مرجعًا واحدًا بشروط معينة سنوضحها لاحقًا.
3-
الاحتياط: ويعني أن يكون محتاطًا أن
يعمل بالاحتياط في جميع أحكامه؛ فيجب عليه أن يعلم آراء جميع مراجع الشيعة (من
الأولين والآخرين) في الأحكام الشرعية فإذا رأى مثلًا أن بعض الفقهاء أفتوا بأن
عملًا ما واجب وأفتى آخرون بأنّ نفس العمل مستحب؛ فيكون واجبًا عليه أن يعمل بهذا
العمل، وإذا رأى أن بعض المراجع يفتون بأن عملًا ما حرام وأفتى آخرون بأنه مكروه؛
فيكون حرامًا عليه أن يعمل بهذا العمل. فالخلاصة أن العمل بالاحتياط صعبٌ جدًا لأن المحتاط يجب
أن يتعلم ويحفظ آراء مراجع الشيعة جميعًا.
فالطريق الأيسر
للشيعي في أخذ أحكام دينه هو أن يُقلّد، ويجب عليه أن يقلد من تتوافر فيه هذه
الشروط:
1- البلوغ: أن يكون المرجع وصل إلى سن البلوغ.
2- العقل: أن يكون المرجع عاقلًا.
3- الإيمان: أي أن تكون عقيدة المرجع عقيدة سليمة.
4- الذكورة: أي أن يكون المرجع ذكرًا فلا يمكن أن تكون الأنثى مرجعًا.
5- الاجتهاد: أي أن يكون المرجع قد وصل إلى مرحلة الاجتهاد أي أنه وصل
إلى المرحلة التي يستطيع فيها استنباط الأحكام الشرعية، وتحديد كيف يكون الشخص
مجتهدًا نوضحه فيما بعد.
6- العدالة: أي أن يكون المرجع متورعًا في الأحكام الشرعية فلا يرتكب
حرامًا ولا يترك واجبًا.
7-
طهارة المولد: أي أن لا يكون متولدًا من الزنا والعياذ بالله.
8- الأعلمية: أي أن يكون أعلم من جميع المراجع الآخرين، وتحديد
الأعلمية نوضحها لاحقًا.
وأما الاجتهاد
فيثبت للشخص بدراسته ونيله شهادات الاجتهاد من أساتذته؛ فالمجتهد يدرس عند عدة
مجتهدين آخرين ثُمّ يعطونه شهادة اجتهاد فيكون حينها مجتهدًا ويجوز له أن يستنبط
الأحكام الشرعية، ويجوز أن يقلده الناس إذا أعلن مرجعيته.
أما الأعلمية
فإن العلماء بعضهم يرون مرجعًا الأعلم وبعضهم يرون مرجعًا آخر الأعلم؛ فالشيعي
يصعب عليه أن يحدد الأعلمية ولكن عليه أن يراجع العلماء الذين يثق بهم فيأخذ
بشهاداتهم في تحديد الأعلم.
وقد يختلف
شيعيٌ عن شيعي آخر في المرجع الذي يقلده بسبب اختلاف الآراء في تحديد الأعلمية؛
ولكنّ ذلك لا يوجب أي تفرقة بين الاثنين، وإنّما كُلّ منهما يعمل بما يبرئ ذمّته
أمام الله.
وبقي أن نشير
إلى ثلاثة مواضيع مهمة؛ الأول موضوع تقليد الميت، والثاني هو
التبعيض في التقليد، والثالث استقامة
العقيدة في المراجع وما الذي يجعل مرجعًا ما مُنحرفًا أو مستقيم العقيدة،
وسُنفصّل القول فيهم في المقالات القادمة إن
شاء الله وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم
ومخالفيهم أجمعين.
أبو لؤلؤة
البحراني
الثالث من شوال
1433 هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق