تطرّقنا في
المقالة السابقة لشرح بعض المقدمات في شرح مفهوم التقليد؛ ونستمر في هذه المقالة
في شرح ما لم نتمكن من شرحه في المقالة السابقة وتحديدًا موضوعي تقليد الميت
والتبعيض في التقليد.
أما التبعيض
في التقليد؛ فإننا نعلم أن المراجع حين يفتون بحكم شرعي فإنّهم يبذلون جهدهم في
استنباط الحكم الشرعي من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة حتى يفتون في أمر ما،
ولكن أحيانًا لا يتمكن المرجع من الإفتاء بسبب عدم وضوح الأدلة عنده فيقول
بالاحتياط الوجوبي؛ فنجد أنه يقول: “في المسألة الفلانية لا يجوز ذلك على الأحوط
وجوبًا” أو “في المسألة الفلانية يجب فعل ذلك على الأحوط وجوبًا”. على المُقلّد في
هذه الحالة أن يعمل بالاحتياط الوجوبي حسب رأي مرجعه أو أن يُقلّد مرجعًا آخر في
الاحتياطات فقط مع مراعاة أن يختار المرجع الذي يكون الأعلم بعد المرجع الذي يقلده.
وبالنسبة
لتقليد الميت فإن الآراء انقسمت إلى ثلاثة:
1- جواز تقليد الميت ابتداءًا: أصحاب هذا الرأي
من المراجع يقولون بجواز تقليد الميت حتى وإن كان ميتًا منذ فترة بعيدة، والغالبية
العظمى من المراجع المعاصرين مُخالفون لهذا الرأي، ولا أعلم أن أحدًا من المراجع
المعاصرين يتبنى هذا الرأي، وإنّما يتبناه القدماء من الفقهاء (رحمة الله عليهم).
2- جواز تقليد الميت استدامةً: أصحاب هذا
الرأي من المراجع يقولون بجواز تقليد الميت إذا بدأ الشخص بتقليده في حال حياته؛
أي أن الشخص لو قَلَّد أحد المراجع وكان هذا المرجع حيًا ثُمّ توفي؛ فإن مقلديه
يمكن أن يبقوا على تقليده، ومعظم المراجع
المعاصرين يتبنون هذا الرأي.
3- حرمة تقليد الميت مطلقًا: أصحاب هذا
الرأي يقولون بعدم جواز تقليد الميت لا ابتداءًا ولا استدامةً؛ فيجب على الشخص أن
يُقلّد مرجعًا آخرا إذا توفي مرجعه، وهناك بعض المراجع المعاصرين ممن يتبنى هذا
الرأي؛ ومنهم على ما نعلم المرجعان البشير النجفي والصادق الروحاني (حفظهما الله) .
وكما ذكرت في
المقالة السابقة أن هذا الاختلاف لا ينبغي أبدًا بأي حال من الأحوال أن يكون
مثارًا للخلاف والاحتراب بين المؤمنين؛ وإنّما اللازم عليهم التوحد معًا وأن
يرجعوا في تقليدهم إلى المراجع مستقيمي العقيدة – وسنتطرّق إلى موضوع استقامة
العقيدة في المقالة القادمة – ويتركوا منحرفي العقيدة، وأما الاختلافات في جواز
تقليد الميت من عدمه فإنّما هي اختلافات اجتهادية؛ بذل فيها الفقهاء والمراجع
العدول جهدهم لاستخراج الحكم الشرعي فكل واحد منهم أفتى بما وصل إليه اجتهاده.
أبو لؤلؤة البحراني
الرابع من شوال 1433
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق